قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].
ويتولى السؤال في القبر ملكان كما قال ( : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى (انصرف) عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (محمد ( ) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة . فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس (أي: غير معتقد به) فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ (أي: لا علمت ما هو الحق ولا اتبعت الناجين) ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [متفق عليه].
وفي الحديث الشريف: أن النبي ( حمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شيء لم أكن أُرِيتُه إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال: يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، (أو الموقن) فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد (ثلاثًا). فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنا به . وأما المنافق (أو المرتاب) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه) [متفق عليه].
فعلى المؤمن أن يستجيب لدعوة النبي ( ، ويهتدى بهديه حتى يحسن الجواب إذا سُئل في القبر فيقول آمنا واتبعنا الرسول، وهذا لا يتحقق إلا باتباع النبي ( في الدنيا، فمن يثبت على أمر الله في الدنيا ثبته الله -عز وجل- عند السؤال ويوم تزول الأقدام.
الملائكة الموكلون بتدبير أمور الجبال:
الله -عز وجل- خلق الجبال بعد خلق الأرض لتثبتها ولتكون رواسي لها، وقد خصَّ الله ملائكة بتدبير أمور الجبال، فلما رفضت قريش الدعوة ذهب ( إلى الطائف فردوا دعوته وآذوه، فأرسل الله -عز وجل- جبريل ومعه ملك الجبال فنادى الرسول ( : (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبـين (جبلين بمكة)). فقال النبي ( : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) [البخارى ومسلم].
أعمال الملائكة:
من أعمال الملائكة أنهم يصلون على النبي ( قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الملائكة يبلغون الرسول السلام:
وقال (: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام) [أحمد].
والملائكة تصلي على من يصلي على النبي ( كما جاء في الحديث: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها) [ابن ماجه].
الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم:
ومن وظائف الملائكة الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
وقال: {هو الذين يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله -تعالى- رحمة، ومن الملائكة دعاء واستغفار وفي الحديث:
(... والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخارى] . وفي الحديث أيضًا ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
فالمؤمن الذي آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( نبيًّا ورسولا وجعل حياته كما يريدها الله عز وجل، ثم استقام على ذلك حتى يلقى ربه فإن الملائكة تدعو له. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والاستقامة تشمل توحيد الله بعدم الشرك به، كما أنها تشمل طاعة الله باجتناب ما نهى الله عنه. وفي الحديث: (استقيموا ولن تحصوا) [ابن ماجه ومالك وأحمد].
حضور الملائكة صلاة الجمعة:
قال ( : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) [البخارى].
تأمين الملائكة لفاتحة الكتاب:
كما في الحديث: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وفي رواية إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) [البخارى].
كما قال ( : (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة. غُفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
حضور الملائكة مجالس الذكر:
جعل الله -عز وجل- ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون مجالس القرآن الكريم، ومجالس العلم ومجالس التسبيح والتحميد والتهليل، ومجالس الاستغفار والدعاء فيحضرونها .
كما قال ( : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم: ما يقول عبادى؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر
لك تسبيحًا.
قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة. قال: فَمِمَّ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة.
قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)
[متفق عليه].
الله يباهى الملائكة بعباده الذاكرين:
كما في الحديث: أن رسول الله ( خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟). قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟). قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال ( : (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
الملائكة تحف الذين يتلون كتاب الله تعالى:
كما في الحديث: (... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
وكان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بحبلين فتغشته سحابه، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر . فلما أصبح أتى النبي (، فذكر ذلك له. فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن) [البخارى].
الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم:
فالملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم تكريمًا له، ورضًا بما يصنع، كما قال (: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم) [أبو داود].
الملائكة يصلون على من يعلم الناس الخير:
ذكر لرسول الله ( رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم. فقال رسول الله ( : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم قال رسول الله ( : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على مُعَلِّمى الناس الخير) [الترمذى].
تأمين الملك على دعاء المؤمن لأخيه:
قال ( : (من دعا لأخيه بظـهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله (أى: بمثل ما دعوت لأخيك)) [مسلم] . وفي حديث آخر: ( إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا) [متفق عليه].
فعلى المسلم أن يتوجه بالدعاء عند صياحها رجاء أن تؤمن الملائكة على دعائه وتستغفر له، عسى أن يكون من المقبولين والملائكة تؤمن على الدعاء عند المريض والمحتضر (من أشرف على الموت) يقول الرسول ( : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) [مسلم].
الملائكة تحمل البشرى للمؤمنين:
كان زكريا -عليه السلام- كلما دخل على مريم في محرابها التي كانت تعبد الله تعالى فيه، وجد عندها طعامًا دون أن يدخل عليها أحد، فتعجب من ذلك، فقال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فدعا زكريا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فنزلت الملائكة بالبشرى، قال تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيـى مصدقًا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] .
ولقد حملت الملائكة البشرى لإبراهيم وزوجته. قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشري} [هود: 69].
فرسل الله هنا هم الملائكة، ولقد جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- على صورة رجال وبشروه بإسحاق ويعقوب، وقال تعالى في امرأته سارة: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71].
وقد تبشر الملائكة غير الرسل والأنبياء كما جاء في الحديث في بشارة الملك لمن زار أخًا له في الله تعالى، كما في الحديث عن رسول الله ( : (أنَّ رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرجته (أي في طريقه) مَلَكًا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ (أى: يقوم بها، وتسعى في صلاحها) قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببتَه فيه) [مسلم].
الملائكة تظل الشهداء بأجنحتها:
عن جابر بن عبد الله قال: أصيب أبي يوم أحد، فجعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهوني، ورسول الله ( لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمر تبكيه، فقال رسول الله (: (تبكيه أو لا تبكيه (أي: سواء أبكت عليه أم لا)، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه) [مسلم].
الملائكة تحب من يحبه الله:
كما جاء في الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض) [البخاري ومسلم].
من تلعنه الملائكة:
تلعن الملائكة من أشار إلى أخيه بسلاح يقصد إيذاءه؛ كالسكين والسيف ونحوهما، قال (: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه) [مسلم].
كما تلعن الملائكة المرأة الرافضة فراش زوجها، قال (: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [فتح الباري].
كما تلعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها وزوجها كاره، قال ( : (إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع) [الطبراني].
صعود الملائكة بالكلم الطيب والعمل الصالح:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد إذا قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه، وصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن. ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ما تنفر منه ملائكة الرحمة وتبعد عنه:
الصور (لما فيه روح) لحديث الرسول ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فقام النبي ( بالباب يدخل، فلم يدخل، فقالت عائشة: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ( : (ما هذه النمرقة؟) فقالت: لتجلس عليها وتوسَّدها. فقال رسول الله ( : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) [البخارى] . وقال ( : (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير) [متفق عليه] . وقال ( : (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: واعد رسول الله ( جبريل -عليه السلام- في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأتِهِ، وكان ( في يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) ثم التفت فإذا جَرْوُ (كلب) تحت سريره، فقال: (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا؟) فقالت: والله ما دريتُ. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ( : (واعدتَنى فجلستُ لك فلم تأتِ). فقال: (منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنَّا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [مسلم].
الملائكة جنود النصر للمؤمنين:
قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 123-125]. وقال الله -عز وجل- في يوم الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} [الأحزاب: 9].
وعن عائشة -رضي الله عنها-: لما رجع الرسول ( من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: قد وضعت السلاح ووالله ما وضعناه، فاخرج إليهم . قال: (فإلى أين؟). قال: هاهنا. وأشار إلى قريظة فخرج ( إليهم. [البخاري].
الملائكة تشيع جنازة المسلم:
أُتِىَ النبي ( بدابة، وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتى بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشونَ، فلما ذهبوا ركبتُ) [أبو داود].
وخرج الرسول ( في جنازة، فرأى ركبانًا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب) [الترمذى].
الملائكة يقفون صفوفًا يوم القيامة:
تقف الملائكة يوم القيامة صفوفًا كما قال الله -عز وجل- في وصف أهوال يوم القيامة: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38].
وقال تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا. وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 21-23].
ثمرات الإيمان بالملائكة
الله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 1-3] .
وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
عدم الوقوع في الخرافات:
فعندما أطلعنا الله -عز وجل- على أمر هذه الأرواح المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الشكر الدائم للمولى -عز وجل- على عنايته بعباده.
الاستقامة على أمر الله عز وجل:
فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟
الطمأنينة:
فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شر: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد :11].
حب الله عز وجل:
فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته.
الصبر على طاعة الله:
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
العلم بعظمة الله -عز وجل- وقوته وسلطانه:
ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله وهو يعلم أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن مَلَكًا واحدًا يستطيع -بقدرة الله- أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. ولكن المؤمن يعرف عظمة الله ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].
ويتولى السؤال في القبر ملكان كما قال ( : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى (انصرف) عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (محمد ( ) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة . فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس (أي: غير معتقد به) فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ (أي: لا علمت ما هو الحق ولا اتبعت الناجين) ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [متفق عليه].
وفي الحديث الشريف: أن النبي ( حمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شيء لم أكن أُرِيتُه إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال: يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، (أو الموقن) فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد (ثلاثًا). فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنا به . وأما المنافق (أو المرتاب) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه) [متفق عليه].
فعلى المؤمن أن يستجيب لدعوة النبي ( ، ويهتدى بهديه حتى يحسن الجواب إذا سُئل في القبر فيقول آمنا واتبعنا الرسول، وهذا لا يتحقق إلا باتباع النبي ( في الدنيا، فمن يثبت على أمر الله في الدنيا ثبته الله -عز وجل- عند السؤال ويوم تزول الأقدام.
الملائكة الموكلون بتدبير أمور الجبال:
الله -عز وجل- خلق الجبال بعد خلق الأرض لتثبتها ولتكون رواسي لها، وقد خصَّ الله ملائكة بتدبير أمور الجبال، فلما رفضت قريش الدعوة ذهب ( إلى الطائف فردوا دعوته وآذوه، فأرسل الله -عز وجل- جبريل ومعه ملك الجبال فنادى الرسول ( : (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبـين (جبلين بمكة)). فقال النبي ( : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) [البخارى ومسلم].
أعمال الملائكة:
من أعمال الملائكة أنهم يصلون على النبي ( قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الملائكة يبلغون الرسول السلام:
وقال (: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام) [أحمد].
والملائكة تصلي على من يصلي على النبي ( كما جاء في الحديث: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها) [ابن ماجه].
الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم:
ومن وظائف الملائكة الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
وقال: {هو الذين يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله -تعالى- رحمة، ومن الملائكة دعاء واستغفار وفي الحديث:
(... والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخارى] . وفي الحديث أيضًا ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
فالمؤمن الذي آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( نبيًّا ورسولا وجعل حياته كما يريدها الله عز وجل، ثم استقام على ذلك حتى يلقى ربه فإن الملائكة تدعو له. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والاستقامة تشمل توحيد الله بعدم الشرك به، كما أنها تشمل طاعة الله باجتناب ما نهى الله عنه. وفي الحديث: (استقيموا ولن تحصوا) [ابن ماجه ومالك وأحمد].
حضور الملائكة صلاة الجمعة:
قال ( : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) [البخارى].
تأمين الملائكة لفاتحة الكتاب:
كما في الحديث: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وفي رواية إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) [البخارى].
كما قال ( : (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة. غُفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
حضور الملائكة مجالس الذكر:
جعل الله -عز وجل- ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون مجالس القرآن الكريم، ومجالس العلم ومجالس التسبيح والتحميد والتهليل، ومجالس الاستغفار والدعاء فيحضرونها .
كما قال ( : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم: ما يقول عبادى؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر
لك تسبيحًا.
قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة. قال: فَمِمَّ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة.
قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)
[متفق عليه].
الله يباهى الملائكة بعباده الذاكرين:
كما في الحديث: أن رسول الله ( خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟). قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟). قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال ( : (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
الملائكة تحف الذين يتلون كتاب الله تعالى:
كما في الحديث: (... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
وكان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بحبلين فتغشته سحابه، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر . فلما أصبح أتى النبي (، فذكر ذلك له. فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن) [البخارى].
الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم:
فالملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم تكريمًا له، ورضًا بما يصنع، كما قال (: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم) [أبو داود].
الملائكة يصلون على من يعلم الناس الخير:
ذكر لرسول الله ( رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم. فقال رسول الله ( : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم قال رسول الله ( : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على مُعَلِّمى الناس الخير) [الترمذى].
تأمين الملك على دعاء المؤمن لأخيه:
قال ( : (من دعا لأخيه بظـهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله (أى: بمثل ما دعوت لأخيك)) [مسلم] . وفي حديث آخر: ( إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا) [متفق عليه].
فعلى المسلم أن يتوجه بالدعاء عند صياحها رجاء أن تؤمن الملائكة على دعائه وتستغفر له، عسى أن يكون من المقبولين والملائكة تؤمن على الدعاء عند المريض والمحتضر (من أشرف على الموت) يقول الرسول ( : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) [مسلم].
الملائكة تحمل البشرى للمؤمنين:
كان زكريا -عليه السلام- كلما دخل على مريم في محرابها التي كانت تعبد الله تعالى فيه، وجد عندها طعامًا دون أن يدخل عليها أحد، فتعجب من ذلك، فقال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فدعا زكريا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فنزلت الملائكة بالبشرى، قال تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيـى مصدقًا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] .
ولقد حملت الملائكة البشرى لإبراهيم وزوجته. قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشري} [هود: 69].
فرسل الله هنا هم الملائكة، ولقد جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- على صورة رجال وبشروه بإسحاق ويعقوب، وقال تعالى في امرأته سارة: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71].
وقد تبشر الملائكة غير الرسل والأنبياء كما جاء في الحديث في بشارة الملك لمن زار أخًا له في الله تعالى، كما في الحديث عن رسول الله ( : (أنَّ رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرجته (أي في طريقه) مَلَكًا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ (أى: يقوم بها، وتسعى في صلاحها) قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببتَه فيه) [مسلم].
الملائكة تظل الشهداء بأجنحتها:
عن جابر بن عبد الله قال: أصيب أبي يوم أحد، فجعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهوني، ورسول الله ( لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمر تبكيه، فقال رسول الله (: (تبكيه أو لا تبكيه (أي: سواء أبكت عليه أم لا)، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه) [مسلم].
الملائكة تحب من يحبه الله:
كما جاء في الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض) [البخاري ومسلم].
من تلعنه الملائكة:
تلعن الملائكة من أشار إلى أخيه بسلاح يقصد إيذاءه؛ كالسكين والسيف ونحوهما، قال (: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه) [مسلم].
كما تلعن الملائكة المرأة الرافضة فراش زوجها، قال (: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [فتح الباري].
كما تلعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها وزوجها كاره، قال ( : (إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع) [الطبراني].
صعود الملائكة بالكلم الطيب والعمل الصالح:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد إذا قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه، وصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن. ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ما تنفر منه ملائكة الرحمة وتبعد عنه:
الصور (لما فيه روح) لحديث الرسول ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فقام النبي ( بالباب يدخل، فلم يدخل، فقالت عائشة: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ( : (ما هذه النمرقة؟) فقالت: لتجلس عليها وتوسَّدها. فقال رسول الله ( : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) [البخارى] . وقال ( : (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير) [متفق عليه] . وقال ( : (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: واعد رسول الله ( جبريل -عليه السلام- في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأتِهِ، وكان ( في يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) ثم التفت فإذا جَرْوُ (كلب) تحت سريره، فقال: (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا؟) فقالت: والله ما دريتُ. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ( : (واعدتَنى فجلستُ لك فلم تأتِ). فقال: (منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنَّا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [مسلم].
الملائكة جنود النصر للمؤمنين:
قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 123-125]. وقال الله -عز وجل- في يوم الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} [الأحزاب: 9].
وعن عائشة -رضي الله عنها-: لما رجع الرسول ( من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: قد وضعت السلاح ووالله ما وضعناه، فاخرج إليهم . قال: (فإلى أين؟). قال: هاهنا. وأشار إلى قريظة فخرج ( إليهم. [البخاري].
الملائكة تشيع جنازة المسلم:
أُتِىَ النبي ( بدابة، وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتى بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشونَ، فلما ذهبوا ركبتُ) [أبو داود].
وخرج الرسول ( في جنازة، فرأى ركبانًا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب) [الترمذى].
الملائكة يقفون صفوفًا يوم القيامة:
تقف الملائكة يوم القيامة صفوفًا كما قال الله -عز وجل- في وصف أهوال يوم القيامة: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38].
وقال تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا. وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 21-23].
ثمرات الإيمان بالملائكة
الله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 1-3] .
وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
عدم الوقوع في الخرافات:
فعندما أطلعنا الله -عز وجل- على أمر هذه الأرواح المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الشكر الدائم للمولى -عز وجل- على عنايته بعباده.
الاستقامة على أمر الله عز وجل:
فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟
الطمأنينة:
فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شر: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد :11].
حب الله عز وجل:
فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته.
الصبر على طاعة الله:
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
العلم بعظمة الله -عز وجل- وقوته وسلطانه:
ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله وهو يعلم أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن مَلَكًا واحدًا يستطيع -بقدرة الله- أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. ولكن المؤمن يعرف عظمة الله ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.