باب من جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه وثواب من قرأ القرآن معربا
قال ابو بكر بن الأنباري : جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن اصحابه وتابعيهم رضوان الله عليهم ـ من تفضيل إعراب القرآن والحض على تعليمه وذم اللحن وكراهيته ـ ماوجب به على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه
من ذلك ما حدثنا يحيى بن سليمان الضبي قال حدثنا محمد ـ يعني ابن سعيد ـ قال حدثنا أبو معاوية عن عبد الله بن سعيد المقبري عن ابيه عن جده عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ]
حدثني ابي قال حدثنا ابراهيم بن الهيثم قال : حدثنا آدم ـ يعني ابن ابي إياس ـ قال حدثنا او الطيب المروزي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة ] وروى جويبر عن الضحاك قال : قال عبد الله بن مسعود : جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه فإنه عربي والله يحب ان يعرب به وعن مجاهد عن ابن عمر قال : أعربوا القرآن وعن محمد بن عبد الرحمن بن زيد قال : قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : لبعض إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ حروفه وعن الشعبي قال قال عمر رحمه الله : من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد وقال مكحول : بلغني أن من قرأ بإعراب كان له من الأجر ضعفان ممن قرأ بغير إعراب وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي ] وروي سفيان عن ابي حمزة قال : قيل لـ لحسن في قوم يتعلمون العربية قال : أحسنوا يتعلمون لغة نبيهم صلى الله عليه وسلم وقيل لـ لحسن : إن لنا إماما يلحن قال : أخروه
وعن ابن ابي مليكة قال : قدم إعرابي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : من يقرئني مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأقرأه رجل براءة فقال : إن الله بريء من المشركين ورسوله بالجر فقال الإعرابي أو قد برىء الله من رسوله ؟ فإن يكن الله بريء من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال يا إعرابي أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال إن الله بريء من المشركين ورسوله فقلت : أو قد برىء الله من رسوله إن يكن الله بريء من رسوله فأنا أبرأ منه فقال عمر : ليس هكذا يا إعرابي قال : فكيف هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : إن الله بريء من المشركين ورسوله فقال الإعرابي : وأنا والله أبرأ مما برىء الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا يقرىء الناس إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود فوضع النحو
وعن علي بن الجعد قال سمعت شعبة يقول : مثل صاحب الحديث الذي لا يعرف العربية مثل الحمار عليه مخلاة لا علف فيها وقال حماد بن سلمة كمن طلب الحديث ولم يتعلم النحو ـ أو قال العربية ـ فهو كمثل الحمار تعلق عليه مخلاة ليس فيها شعير قال ابن عطية : إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع
قال ابن الأنباري : وجاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم رضوان الله عليهم من الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله باللغة والشعر ما بين صحة مذهب النحويين في ذلك وأوضح فساد مذهب من أنكر ذلك عليهم من ذلك ما حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزاز قال : حدثنا ابن ابي مريم قال أنبأنا ابن فروخ قال أخبرني أسامة قال أخبرني عكرمة ان ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب وحدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد بن جدعان قال سمعت سعيد بن جبير ويوسف بن مهران يقولان : سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء بالقرآن فيقول فيه هكذا وهكذا أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا وعن عكرمة عن ابن عباس وسأله رجل عن قول الله جل وعز : { وثيابك فطهر } قال : لا تلبس ثيابك على عذر وتمثل بقول غيلان الثقفي :
( فإني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من سوءة أتقنع )
وسأل رجل عكرمة عن الزنيم قال : هو ولد الزنى وتمثل ببيت شعر :
( زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغي الأم ذو حسب لئيم )
وعنه أيضا الزنيم : الدعي الفاحش اللئيم ثم قال :
( زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع )
وعنه في قوله تعالى : { ذواتا أفنان } قال : ذواتا ظل وأغصان ألم تسمع الى قول الشاعر :
( ما هاج شوقك من هديل حمامة ... تدعو على فنن الغصون حماما )
( تدعو أبا فرخين صادف طائرا ... ذا مخلبين من الصقور قطاما )
وعن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : { فإذا هم بالساهرة } قال : الأرض قاله ابن عباس وقال أمية بن أبي الصلت : عندهم لحم بحر ولحم ساهرة قال ابن الأنباري : والرواة يروون هذا البيت :
( وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم )
وقال نافع بن الأزرق لابن عباس : أخبرني عن قول جل وعز : { لا تأخذه سنة ولا نوم } ما السنة ؟ قال : النعاس قال زهير بن أبي سلمى
( لا سنة في طوال الليل تأخذه ... ولا ينام ولا في أمره فند )