بن ابي طالب كرم الله وجهه يقول يا معشر الناس اتقوا الله ! وإياكم والغلو في عثمان وقولكم : حراق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وعن عمير بن سعيد قال : قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه : لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان قال ابو الحسن بن بطال وفي امر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها اسماء الله تعالى وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض روى معمر عن ابن طاوس عن ابيه : أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة وكره ابراهيم ان تحرق الصحف اذا كان فيها ذكر الله تعالى وقول من حرقها اولى بالصواب وقد فعله عثمان وقد قال القاضي ابو بكر لسان الأمة : جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد الى ذلك
قال علماؤنا رحمة الله عليهم وفي فعل عثمان رضي الله عنه رد على الحلولية والحشوية القائلين بقدم الحروف والأصوات وأن القراءة والتلاوة قديمة وأن الإيمان قديم والروح قديم وقد اجمعت الأمة وكل امة من النصارى واليهود والبراهمة بل كل ملحد وموحد ان القديم لا يفعل ولا تتعلق به قدرة قادر بوجه ولا بسبب ولا يجوز لعدم على القديم وأن القديم لا يصير محدثا والمحدث لا يصير قديما وأن القديم ما لا أول لوجوده وأن المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن وهذه الطائفة خرقت إجماع العقلاء من أهل الملل وغيرهم فقالوا : يجوز ان يصير المحدث قديما وأن العبد إذا قرأ كلام الله تعالى فعل كلاما لله قديما وذلك اذا نحت حروفا من الآجر والخشب أو صاغ احرفا من الذهب والفضة أو نسج ثوبا فنقش عليه آية من كتاب الله فقد فعل هؤلاء كلام الله قديما وصار كلامه منسوجا قديما ومنحوتا قديما ومصوغا قديما فيقال لهم : ما تقولون في كلام الله تعالى أيجوز ان يذاب ويمحى ويحرق ؟ فإن قالو ا نعم فارقوا الدين وإن قالوا : لا قيل لهم فما قولكم في حروف مصورة آية من كتاب الله تعالى من شمع أو ذهب أو فضة أو خشب أو كاغد فوقعت في النار فذابت واحترقت فهل تقولون : إن كلام الله احترق ؟ فإن قالوا نعم تركوا قولهم وإن قالوا : لا قيل لهم أليس قلتم : إن هذه الكتابة كلام الله وقد احترقت ! وقلتم : : إن هذه الأحرف كلامه وقد ذابت فإن قالوا احترقت الحروف وكلامه تعالى باق رجعوا الى الحق والصواب ودانوا بالجواب وهو الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم منبها على ما يقول أهل الحق :
[ لو كان القرآن في إهاب ثم وقع في النار ما احترق ] وقال الله عز وجل :
[ أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ] الحديث أخرجه مسلم فثبت بهذا ان كلامه سبحانه ليس بحرف ولا يشبه الحروف والكلام في هذه المسألة يطول وتتميمها في كتب الأصول وقد بيناها في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى
وقد طعن الرافضة ـ قبحهم الله تعالى ـ في القرآن وقالوا : ان الواحد يكفي في نقل الآية والحرف كما فعلتم فإنكم أثبتم بقول رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت وحده آخر سورة براءة وقوله { من المؤمنين رجال } فالجواب ان خزيمة رضي الله عنه لما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال : فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أو لا فالآية إنما ثبتت بالإجماع لا بخزيمة وحده جواب ثان ـ إنما ثبتت بشهادة خزيمة وحده
لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب فإن تلك ثبتت بشهادة زيد وابي خزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى الله عليه وسلم قال معناه المهلب وذكر أن خزيمة غير ابي خزيمة وأن ابا خزيمة الذي وجدت معه آية التوبة معروف من الأنصار وقد عرفه أنس وقال : نحن ورثناه والتي في الأحزاب وجدت مع خزيمة بن ثابت فلا تعارض والقصة غير القصة لا إشكال فيها ولا التباس وقال ابن عبد البر : ابو خزيمة لا يوقف على صحة اسمه وهو مشهور بكنيته وهو ابو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفى في خلافة عثمان بن عفان وهو أخو مسعود بن أوس قال ابن شهاب عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت : وجدت آخر التوبة مع ابي خزيمة الأنصاري وهو هذا وليس بينه وبين الحارث بن خزيمة ابي خزيمة نسب إلا اجتماعهما في الأنصار احدهما أوسي والآخر خزرجي وفي مسلم و البخاري عن انس بن مالك قال :
جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اربعة كلهم من الأنصار : ابي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قلت لأنس : من أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي وفي البخاري أيضا عن انس قال :
مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : ابو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد وابو زيد قال : ونحن ورثناه وفي أخرى قال : مات ابو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا واسم ابي سعيد بن عبيد قال ابن الطيب رضي الله عنه : لا تدل هذه الآثار على أن القرآن لم يحفظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمعه غير أربعة من الأنصار كما قال أنس بن مالك فقد ثبت بالطرق المتواترة انه جمع القرآن عثمان وعلي وتميم الداري وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص فقول انس : لم يجمع القرآن غيرأربعة يحتمل انه لم يجمع القرآن وأخذه تلقينا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير تلك الجماعة فإن اكثرهم أخذ بعضه عنه وبعضه عن غيره وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم الى الإسلام وإعظام الرسول صلى الله عليه وسلم لهم
قلت : لم يذكر القاضي عبد الله بن مسعود وسالما مولى ابي حذيفة رضي الله عنهما فيما رأيت وهما ممن جمع القرآن روى جرير عن عبد الله بن يزيد الصهباني عن كميل قال : [ قال عمر بن الخطاب : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ومن شاء الله فمررنا بعبد الله بن مسعود وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الذي يقرأ القرآن ؟ فقيل له : هذا عبد الله بن أم عبد فقال : إن عبد الله يقرأ القرآن غضا كما أنزل ] الحديث قال بعض العلماء : معنى قوله : [ غضا كما أنزل ] أي أنه كان يقرأ الحرف الأول الذي أنزل عليه القرآن دون الحروف السبعة التي رخص لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته عليها بعد معارضة جبريل عليه السلام والقرآن إياه في كل رمضان وقد روى وكيع وجماعة معه عن الأعمش عن ابي ظبيان قال : قال لي عبد الله بن عباس أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد فقال لي : بل هي الآخرة إن رسول الله صلى عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه عليه مرتين فحضر ذلك عبد الله فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل وفي صحيح مسلم [ عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة من ابن ام عبد ـ فبدأ به ـ ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة ]
قلت : لم يذكر القاضي عبد الله بن مسعود وسالما مولى ابي حذيفة رضي الله عنهما فيما رأيت وهما ممن جمع القرآن روى جرير عن عبد الله بن يزيد الصهباني عن كميل قال : [ قال عمر بن الخطاب : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ومن شاء الله فمررنا بعبد الله بن مسعود وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الذي يقرأ القرآن ؟ فقيل له : هذا عبد الله بن أم عبد فقال : إن عبد الله يقرأ القرآن غضا كما أنزل ] الحديث قال بعض العلماء : معنى قوله : [ غضا كما أنزل ] أي أنه كان يقرأ الحرف الأول الذي أنزل عليه القرآن دون الحروف السبعة التي رخص لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته عليها بعد معارضة جبريل عليه السلام والقرآن إياه في كل رمضان وقد روى وكيع وجماعة معه عن الأعمش عن ابي ظبيان قال : قال لي عبد الله بن عباس أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد فقال لي : بل هي الآخرة إن رسول الله صلى عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه عليه مرتين فحضر ذلك عبد الله فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل وفي صحيح مسلم [ عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة من ابن ام عبد ـ فبدأ به ـ ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة ]
قلت : هذه الأخبار تدل على أن عبد الله جمع القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما تقدم والله أعلم وقد ذكر ابو بكر الأنباري في كتاب الرد : حدثنا محمد بن شهريار حدثنا حسين بن الأسود حدثنا يحيى بن آدم عن ابي بكر عن ابي إسحاق قال : قال عبد الله بن مسعود :
قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين وسبعين سورة ـ أو ثلاثا وسبعين سورة ـ وقرأت عليه من البقرة الى قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } قال أبو إسحاق : وتعلم عبد الله بقية القرآن من مجمع بن جارية الأنصاري
قلت : فإن صح هذا صح الإجماع الذي ذكره يزيد بن هارون فلذلك لم يذكره القاضي ابو بكر بن الطيب مع من جمع القرآن وحفظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم
قال ابو بكر الأنباري : حدثني ابراهيم بن موسى الخوزي حدثنا يوسف بن موسى حدثنا مالك بن اسماعيل حدثنا زهير عن ابي إسحاق قال : سألت الأسود ما كان عبد الله يصنع بسورة الأعراف ؟ فقال : ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة قال : وقد قال بعض أهل العلم : مات عبد الله بن مسعود رحمه الله عليه قبل أن يتعلم المعوذتين فلهذه العلة لم توجدا في مصحفه وقيل غير هذا على ما يأتي بيانه آخر الكتاب عند ذكر المعوذتين إن شاء الله تعالى
قال ابو بكر : والحديث الذي حدثناه ابراهيم بن موسى حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عمر بن هارون الخراساني عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن كعب القرظي قال : كان ممن ختم القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود حديث ليس بصحيح عند أهل العلم إنما هو مقصور على محمد بن كعب فهو مقطوع لا يؤخذ به ولا يعول عليه
قلت : فإن صح هذا صح الإجماع الذي ذكره يزيد بن هارون فلذلك لم يذكره القاضي ابو بكر بن الطيب مع من جمع القرآن وحفظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم
قال ابو بكر الأنباري : حدثني ابراهيم بن موسى الخوزي حدثنا يوسف بن موسى حدثنا مالك بن اسماعيل حدثنا زهير عن ابي إسحاق قال : سألت الأسود ما كان عبد الله يصنع بسورة الأعراف ؟ فقال : ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة قال : وقد قال بعض أهل العلم : مات عبد الله بن مسعود رحمه الله عليه قبل أن يتعلم المعوذتين فلهذه العلة لم توجدا في مصحفه وقيل غير هذا على ما يأتي بيانه آخر الكتاب عند ذكر المعوذتين إن شاء الله تعالى
قال ابو بكر : والحديث الذي حدثناه ابراهيم بن موسى حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عمر بن هارون الخراساني عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن كعب القرظي قال : كان ممن ختم القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود حديث ليس بصحيح عند أهل العلم إنما هو مقصور على محمد بن كعب فهو مقطوع لا يؤخذ به ولا يعول عليه
قلت : قوله عليه السلام : [ خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ] يدل على صحته ومما يبين لك ذلك ان أصحاب القراءات من أهل الحجاز والشام والعراق كل منهم عزا قراءته التي اختارها الى رجل من الصحابة قرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جملة القرآن شيئا فأسند عاصم قراءته الى علي وابن مسعود وأسند ابن كثير قراءته الى أبي وذلك ابو عمرو بن العلاء اسند قراءته الى ابي وأما عبد الله بن عامر فإنه أسند قراءته الى عثمان وهؤلاء كلهم يقولون : قرأنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسانيد هذه القراءات متصلة ورجالها ثقات قاله الخطابي